الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة ، وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر ، وانحاز معهم أسيد بن حضير ، في بني عبدالأشهل ، فأتي آت إلى أبي بكر وعمر ،فقال : إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، قد انحازوا إليه ، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره ، قد أغلق دونه الباب أهله ، قال عمر : فقلت : لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، حتى ننظر ما هم عليه . قال ابن إسحاق : وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار أن عبدالله بن أبي بكر حدثني ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عبدالله بن عباس ، قال : أخبرني عبدالرحمن بن عوف ، قال : وكنت في منزله بمنى أنتظره ، وهو عند عمر في أخر حجة حجها عمر ، قال فرجع : عبدالرحمن بن عوف من عند عمر فوجدني في منزله بمنى أنتظره ، وكنت أقرئه القرآن ، قال ابن عباس : فقال لي عبدالرحمن بن عوف : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين ، فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت . قال : فغضب عمر ، فقال : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس ، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم . قال عبدالرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم ، وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة ، فإنها دار السنة ، وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا ، فيعي أهل الفقه مقالتك ، ويضعوها على مواضعها . قال : فقال عمر : أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة . قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس ، فأجد سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر ، فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلاً ، قلت لسعيد بن زيد : ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف ، قال فأنكر علي سعيد بن زيد ذلك ، وقال : ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله ، فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذنون ، قام ، فأثنى على الله بما هو أهل له ، ثم قال : أما بعد : فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، ولا أدرى لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي . إن الله بعث محمداً ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها وعلمناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان يقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، وإذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) ، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم ، وقولوا عبدالله ورسوله . ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه ، لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . إنه كان من خبرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا ، فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة ، وتخلف عنا علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان ، فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم ، وقال : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، قالا : فلا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين ، اقضوا أمركم . قال : قلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : سعد بن عبادة ، فقلت : ما له ؟ فقالوا : وجع . فلما جلسنا تشهد خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو له أهل ، ثم قال : أما بعد : فنحن أنصار الله ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين ، رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم ، قال : وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر . فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، فكرهت أن أغضبه ، فتكلم وهو كان أعلم مني ، وأوقر ، فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها قي بديهته ، أو مثلها أو أفضل حتى سكت . قال : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا ، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى أثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر . قال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، قال : فقلت : قتل الله سعد بن عبادة . قال ابن إسحاق : قال الزهري أخبرني عروة بن الزبير : أن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة عويم بن ساعدة ، والآخر معن بن عدي ، أخو بني العجلان ، فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين قال الله عز وجل لهم : قال ابن إسحاق : حدثني الزهري ، قال : حدثني أنس بن مالك قال :لما بويع أبو بكر في السقيفة ، وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر ، فقام عمر ، فتكلم قبل أبي بكر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، بما هو أهله ، ثم قال : أيها الناس ، إني كنت قلت لكم أمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله ، ولا كانت عهداً عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا ، يقول : يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له ، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثاني اثنين إذ هما في الغار ، فقوموا فبايعوه ، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة ، بعد بيعة السقيفة . فتكلم أبو بكر ، فحمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال : أما بعد : أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله . قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبدالله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له ، وفي يده الدرة ، وما معه غيري ، قال : وهو يحدث نفسه ، ويضرب وحشي قدمه بدرته ، قال : إذا التفت إلي ، فقال : يا ابن عباس هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قلت : لا أدري ، يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم . قال : فإنه والله أن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية
|